«المقصودُ أنَّ الاستخارةَ توكُّلٌ على الله وتفويضٌ إليه واستقسامٌ بقدرته وعلمه وحُسْن اختياره لعبده، وهي من لوازم الرِّضى به ربًّا؛ الذي لا يذوق طعمَ الإيمان مَنْ لم يكن كذلك، وإن رضي بالمقدور بعدها، فذلك علامة سعادته».
وهي إظهار الافتقار والحاجة والفاقة لله تعالى في كلِّ شيء؛ كما قال ابن القيم.
قال عبدُ الله بنُ عمر: إنَّ الرجلَ لَيَسْتَخير الله فيختار له فيسخط على ربِّه، فلا يَلْبَثُ أن يَنظر في العاقبة، فإذا هو قد خار له».
وحقيقتُها تفويضُ العبد لربِّه أن يَختار له؛ كما يقول ابنُ القيِّم
ماهي صلاة الاستخارة:
هي طلبُ الخيرة من الله تعالى في أمر من الأمور المشروعة المباحة أو المندوبة،
وكيفيَّتُها
هي أن يصلِّيَ المرءُ ركعتَيْن من غير الفريضة في أيِّ وقت من اللَّيل أو النَّهار، يقرأ ما يشاء بعد الفاتحة، ثم يحمد اللهَ ويصلِّي على نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو بالدُّعاء الذي رواه البخاريُّ من حديث جابر
روى البخاريُّ عن جابر- رضي الله عنهما- قال:
«كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمُنا الاستخارةَ في الأمور كلِّها؛ كالسُّورة من القرآن: «إذا هَمَّ أَحدُكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمَّ ليَقُلْ: اللَّهمَّ إنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنَّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علَّامُ الغيوب. اللهمَّ إن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري– أو قال: عاجل أمري وآجله– فاقدره لي ويسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمر شَرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري– أو قال: عاجل أمري وآجله– فاصرفه عنِّي واصرفني عنه، واقدر لي الخيرَ حيث كان ثم رضِّيني به»، قال: «وَيُسَمِّي حاجتَه».
الحكمة من صلاة الاستخارة
كان العربُ قبلَ الإسلام إذا أراد الواحدُ منهم أن يَفعل أمرًا من سفر أو تجارة أو غيرهما زَجَرَ طائرًا، فإن اتَّجَهَ ناحيةَ اليسار تراجع عن فعل ما هو عازمٌ عليه وتشاءم؛ وهذا من جَهْلهم وسوء أحوالهم.
حكمها:
قال الإمام النَّوويّ- رحمه الله (1): اتَّفَقَ أصحابنا وغيرهم على أنَّها سنَّة.
وفي قوله: «كما يعلمنا السورة من القرآن» دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة، وأنه متأكد مرغب فيه.
عدد ركعاتها:
اتَّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنَّ الأفضلَ في صلاة الاستخارة أن تكون ركعتين، ولم يصرِّح الحنفيَّة والمالكية والحنابلة بأكثر من هذا؛ أما الشافعية فأجاوزا أكثر من الركعتين، واعتبروا التَّقييدَ بالركعتين لبيان أقلّ ما يحصل به.
وقت الاستخارة:
أجاز القائلون بحصول الاستخارة بالدعاء فقط وقوع ذلك في أي وقت من الأوقات بأن الدعاء غير منهي عنه في جميع الأوقات.
أما إذا كانت الاستخارة بالصَّلاة والدُّعاء، فالمذاهب الأربعة تمنعها في أوقات الكراهة؛ فقد نَصَّ المالكية والشافعية صراحةً على
فيم يستخير؟
اتَّفقت المذاهب الأربعة على أنَّ الاستخارةَ تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجهَ الصَّواب فيها؛ أما ما هو معروف خيره أو شره؛ كالعبادات وصنائع المعروف والمعاصي والمنكرات، فلا حاجة إلى الاستخارة فيها، إلا إذا أراد بيان خصوص الوقت؛ كالحجِّ مثلاً في هذه السَّنَة؛ لاحتمال عدوّ أو فتنة، والرّفقة فيه: أيرافق فلانًا أم لا.
هل تكون الاستخارة في الأمور معروفة النتائج؟
نعم؛ تكون في الأمور الدُّنيويَّة المعروفة النَّتائج؛ لأنَّ معرفةَ حقائق النَّتائج لا يعلمها إلا الله تعالى؛ فمهما ظَنَّ العبد من ظن، فليس كلُّ أمر ظاهرُه خير هو في حقيقته خير، وليس كل أمر ظاهرُه شر هو في حقيقته شر؛ فكم من أمر ظنَّ صاحبُه أنَّ فيه خيرًا عظيمًا، فكان فيه هلاكه؛ وكم من أمر ظنَّ صاحبُه أنَّ فيه شرًا، فكان فيه نجاته، وحسبنا قولُ الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)